
إن السفر ينزعك من شرنقة الاعتياد، ويلقي بك في ساحات الدهشة والغرابة، وهنا ستكتشف إن كنت قادراً على أن تكون نفسك كما عهدتها، أو عليك أن تبدأ مرحلة التحولات.
في السفر يتاح لك الانعتاق من منظومة قيمية لم تختَرها ولكنك رضيت بها؛ لأنك لا تقدر على تحمل تبعات كلمة "لا"، منظومة تدقق في كل همساتك وتحاسبك أحياناً على أحلامك إلى منظومة أخرى لا تعرفك ولا تعرفها، فيتاح لك أن تُخلق منظومتك الخاصة دون أن تبالي، فهنا لا يعرفك أحد، ولن يلومك أحد، إنك تقتنص الحرية التي لم تختبرها من قبل لتلوك طعمها بتلذذ يقصي الحرمان الذي عانيته قبل وستعانيه لاحقاً.

أن المسافرين ليسوا على شاكلة واحدة، ولا يخرجون من التجربة بنفس الخبرات حتى لو توحَّد مكان السفر وزمانه، فمنهم من يركز اهتمامه على غرض واحد كالعمل أو اللهو أو العلاج، وهؤلاء تتشكل لديهم صورة المكان من خلال عدسات الغرض الذي جاءوا إليه، والذي يعتمد بطبيعة الحال على مدي ما صادفهم من نجاح أو فشل.
والبعض يذهب بغرض السياحة فيُلمّ بطرف من كل شيء، وإذا كانت وجهته بعض البلدان التي تتعاطى السياحة وتجيد استخدام أدوات الزينة عبر جولات سياحية منظمة ومحكمة، فسيرى المسافر القشرة الخارجية للمكان، وستكون الصورة غالباً ذات ظلال موحية تنتج من كون الجزء هيَّج الخيال فرسم صورة للكل على غرار ما عاين، مما يستثير دائماً الحنين للعودة؛ لأن الانطباعات الأول تدوم.

وهناك المسافر الأكاديمي الذي حتى وإن لم يكن ينتمي مهنياً إلى الجامعة، ولكنه يجهز نفسه قبل السفر بالقراءة عن البلد بشكل جيد، ويخطط لرحلته بشكل دقيق، ويصطحب معه كثيراً من الكتب والمطبوعات، أو يخزن في ذاكرة حاسبه الآلي المواقع الهامة التي تتحدث عن هذا المكان، ويتلمس خبرات من سبقوه إلى مكان السفر، فيذهب إلى الأماكن التي قرأ عنها متلمساً تجسيداً واقعياً لما قرأ، وهنا تغيب متعة الاندهاش والإحساس الذاتي بطزاجة التجربة، فكل ما في الأمر أنه تم تحويل الصورة الذهنية إلى واقع ذي أبعاد ثلاثية قد يختلف قليلاً، ولكنه لا يبعد كثيراً عما تم اختباره نظرياً.

ومن المسافرين من يترك ذاته للتجربة فاتحاً لها أبواب المشاعر والعقل معاً، يقرأ حين يحتاج الأمر، ويلتقي السكان المحليين في أماكن تجمعاتهم، ويسأل ويتعمق في دراسة ما يراه حوله من ظواهر، وتكسبه خبرته قدرة على التقاط التفاصيل الدقيقة للمكان والبشر، وهو يتعلم من التجربة ويعمقها، إنه النوع الأكثر خطورة؛ لأن حب التجربة قد يقود المسافر إلى ما لا يتمنى، ولكنه الأكثر إمتاعاً ، فلا تتم فائدة الانتقال من بلدٍ إلى بلدٍ إلا إذا انتقلت النفس من شعورٍ إلى شعور، فإذا سافر معك الهم فأنت مقيمٌ لم تبرح.
والأكثر من ذلك، أنه لا يحتاج الأمر إلى القيام برحلة خيالية لتحصل على أفق أوسع. يمكنك حتى أن تقوم برحلة حقيقية واحدة على الأقل إلى مكان فقير، ومختلف، بدون إنترنت أو تليفزيون. فالسفر يجعلك تدرك كم هي صغيرة تلك النقطة الأحادية اللون التي تعيش عليها ضمن نسيج ضخم متعدد الألوان.

"السفر يقتل الانحياز، والتعصب الأعمى، وضيق الأفق، و لهذه الاعتبارات فإن الكثيرين ممن نعرفهم يحتاج إليه بشدة." - مارك توين.
وكما تشير عبارة مارك توين، يمكن للسفر أن يوسع أذهان الناس، ويتيح لهم رؤية الأمور من منظور جديد.
فعندما تسافر، تواجه ثقافات بديلة لها أساليب مختلفة في إنجاز الأمور والتفكير والاعتقاد".
ويضيف: "إنها تتحدى ما تفترضه أنت، وتجعلك تغيّر من طريقة نظرك إلى الأمور. وعندما تعود إلى وطنك وبيتك، تعود ثانية إلى ثقافتك لكن بعينين مختلفتين، وبذهن أكثر تساؤلاً

(( مقولات عن السفر ))
--------------------------
طرق السفر يقف عليها أناس كثيرون لا يبكون .. لا يضحكون.. إنهم مسافرون.
من يبغ السفر بسرعة عليه اجتياز الدروب القديمة.
لا يسافر المرء لكي يصل ، بل لكي يسافر.
خلال معايشة نجاحات وإخفاقات السفر ، تبدو الذكريات التي يولدها الناس في ذلك السبيل من الأمور التي يعتزون بها مدى الحياة.